الأخبــــار : يداوم الأستاذ أخصائيا اجتماعيا بخلية الإصغاء والوقاية لدار الشباب بالتلاغمة يوميا عدا الاثنين ابتداء من الساعة الثالثة زوالا ::: الأخبــــار ::: يلقي درسا أسبوعياكل يوم اثنين في سلسلة الشمائل المحمدية شرحا لكتاب الترمذي بعد صلاة المغرب بالمسجد العتيق بالتلاغمة ::: الأخبــــار ::: يؤم المسلمين كل جمعة بمسجد البشير الابراهيمي بتاجنانت ::: الأخبــــار ::: الأخبــــار ::: يلقي درسا أسبوعيا كل يوم أحد في تفسير القرآن الكريم بعد صلاة المغرب بمسجد مالك بن أنس بحي النسيم بالتلاغمة ::: الأخبــــار :::.........وأخبار أخرى تُحدَّث بشكل دوري

 
     إن الإسلام الذي رسم لنا على أنه الدين الحق , وملاذ البشرية في السعادة يعيش اليوم جحود طاقاته البشرية بل وجمودها , وأسباب ذلك - إن سلمنا - أنها محط إنتاج للغزو الفكري الثقافي الغربي ، فحلي بنا أن نسلم أن أصل الأسباب داخلي من أنفس المسلمين , فهم باتوا يرون فيه قانونا وضعيا وفقط , أفاد وصلح في عصر ما قبل أربعة عشر قرن لكنه بات مثاليا بل ومستحيلا في عصرنا - بعد الأربعة عشر قرنا - فمتى نفهم أننا أمام جمود وجحود ورفع رايات لمغالطات الغرب.

    إن واقعنا الحالي الذي سلمنا له، ولم يجد من أنفسنا بذرة رفض بل وتغيير جعل الكثير من القناعات تتغير عما كانت عليه بل وتثبت في الغالب، فتكون بمثابة العقيدة الراسخة لنا ننطلق منها , ظنا بصوابها، واستبعادا لمناقشتها .والأمرُّ من هذا ، أن هذا التسليم قد امتد حتى إلى أفكارنا وكلامنا , فالعبارات لدينا صارت تشاؤمية , وكأن الأمل بات مهديا منتظرا لا يظهر إلا المرة , فنجد مصطلحاتنا اصطبغت بصبغة هجينة بين ما هو حق وما هو باطل , زور وغلط وخلط، ولعل من هذه المصطلحات مصطلح" المثالية ".
     فالمثالية في كنهها ضرب من الجودة المتناهية في فعل الأمور , و الإسلام ذو جودة متناهية يرنو بالنفس الإنسانية إلى الكمال المقدور لها، فيكون الإنسان المثالي ،(وهذا يكون بجعل تصرفاته وأقواله وأفعاله وتروكه وقصوده وأفكاره وميوله وفق المناهج و الأوضاع والكيفيات التي جاء بها الإسلام ) [i] . ولكن الأمر أن مفهوم " المثالية " اليوم ، في زمن اغتراب المصطلح يحمل معنى الخيال والوهم و المستحيلِ تحقيقُهُ من الأمور ، فإذا ما نظرنا بعين شرعية ، وجدنا أن هذا من الظلم لحقيقة هذا الدين. وأصل هذا الإشكال جهل بحقيقة الإسلام , جهل ببيان حقائقه , وتقصير في التعرف على مبادئه وتعاليمه وأحكامه، يحدث هذا في عصر ثورة العلم , وتفجر المعرفة , التي انتشرت أسبابها وتنوعت أساليبها , ورغم هذا ظل المسلم يجهل حقائق الإسلام، أصوله الكلية، وجزئياته، وفروعه، وقديما قيل : " من جهل شيئا عاداه " وهنا تربت فكرة أن تحقيق الشرائع من المستحيل والمثالي - بالمفهوم العامي الخاطئ - فصارت الأحكام بغرابة النادر وتجسيدها باستحالة الظاهر.
     فجهلنا بالدين الإسلامي، جعلنا نرسم له صورة الميتافيزيقا ونتخذ منه مبدأ الحياد السلبي وكأن الأمر ضرب من الهبل , وظلم في عدم الوقوف أمام التحديات إحقاقا لإرادة الله تعالى في خلقه،  ومنهجه الرباني الرشيد الذي عمل على توضيحه للتأسي به نيلا لمثالية الإسلام الحقة كونه نظاما رفيعا وصراطا عظيما مستقيما ; النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه المولى عز وجل : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " .
      ولعل المتدبر لفكرة إحقاق شريعة الإسلام يرى بدقة ما يراه الأستاذ عبد الكريم زيدان في كتابه (أصول الدعوة) أن المثالية قوامها اعتدال وشمول، اعتدال بلا إفراط  ولا تفريط بإعطاء كل شيء حقه ونصابه «... وكان بين ذلك قواما» [ii]، وهي قضية بسيطة ولكنها خطيرة لها مجالات عدة فلا ينبغي للإنسان المسلم أن يعذب جسده بالعبادات مثلا فيحمّل نفسه ما لا يطيق وفي هذا نعلم الحديث الذي ذكره أنس - رضي الله عنه - قال:" جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج  رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  " يسألون عن عبادته فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها : قالوا أين نحن من رسول الله -  صلى الله عليه وسلم - وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا وقال الآخر وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" [iii] .فهذا كان هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الالتزام بالشرائع، فقد كان رسول الله أحرص الناس على التقيد بما أمر الله تعالى بوسطية سمحة، فهو في هذا الحديث قصد التوسط و الاعتدال فيما فيه الخير، وقد يُظَن من هذا الحديث أنه بلغة التخفيف التي تدفع إلى التفريط, فإن حدث فلنعلم أن النبي –صلى الله عليه و سلم- هو نفسه في مواضع أخرى ذكر أنه ( يجب أخذ الإنسان نفسه بالشدة وخشونة العيش ورضاه بالضيق إذا كان ذلك لغرض مشروع أو مقصد نبيل أولسبب مقبول ) [iv].
      و الإسلام همه - كما ذكرنا سابقا - أن يبلغ الإنسان الكمال المقدور له فلا يقبل على جانب واحد ، وجوانب أخرى عدة ينزل فيها إلى الدرك الأسفل، بل لابد على المرء- سيما المسلم- أن يأخذ ولو من كل بحر قطرة، تحقيقا لتوازنه العاطفي و الوجداني و العقلي و العقيدي و الخلقي كونه كلا متكاملا فما أصاب الجزء هلك به الكل .و الإسلام لا يغفل طبيعة الإنسان و تفاوت الناس في مدى استعدادهم لبلوغ المستوى الرفيع الذي يرسمه لهم. و بهذا يتحقق للإنسان الكمال المنشود بيسر واعتدال وشمول بما يوافق الفطرة و العقل و النص ( فإلى هؤلاء الذين يلقى منهم الإسلام الجحود و الإنكار نقول: تعرفوا إلى الإسلام وأعطوه ما يليق به من أوقاتكم التي ربما أنفقتم الكثير منها فيما لاشيء فيه , وأقبلوا على دراسته وتحليله فإن من عرفه حقا لابد وسيحبه ويبني حياته على نهجه القويم ).[v]
    فمتى كنا ربانيين وجب لنا الصلاح ، متى رسخنا عقيدة سليمة وعبادات ومعاملات مخلصة وقويمة، وتربت لدينا أخلاق النبي- صلى الله عليه وسلم - فعرفنا الحلال من الحرام , وانتهجنا في كل هذا وذلك هدي الكريم الديان، وترفعنا عن كل حطيط وبدع وضلالات وشبهات، فتحققت لنا المصالح المشروعة بعلم شرعي، وحكم بالغات نعيشها بـ[vi]:
·       حسن إصغاء وتلقي
·        حسن فقه وتبصر
·        حسن عمل  
       فتتربى نفوسنا على التوحيد الخالص و الفكر المؤسس.هنا نجد أننا على نهج قويم مقيد بما شرع الله ورسوله ، فقل لي بربك : كيف لا نكون مثلا عظيما يقتدى به ؟ بل كيف لا نحمل حضارة أسست على حب الله ورسوله وإتباع شرعه ؟
       فلابد لنا إذن أن تنبثق إرادة من طبيعة أمتنا الإسلامية فتكون (منسجمة مع خصائصها مستوحاة من حاجاتها حتى تكون تعبيرا روحيا صادقا عن أمالها وطموحاتها ).[vii] 
    فإن فعلنا غير هذا كان هذا جهلا أو تجاهلا لماهيتنا وطبيعتنا، وجهل كهذا قد يفقدنا تقديس طبيعة شعبنا وخصائصه بل حتى فقدان عرضنا ثم موتنا .وهذا ليس له أن يوحي لنا برجعية أفكارنا، بل بشرعيتها المسايرة لتطور الحياة وتقدم الحضارة , فالكثير يرى ضرورة مسايرة الحضارة سيما الغربية متناسيا أصوله الشرعية وضوابطه الربانية فيقع في مزالق الشيطان ـ والعياذ بالله ـ فإلى مسح ومسخ ونسخ للغرب , بل لابد أن نساير الواقع معلّمين أفعالنا بالشرعية والمشروعية ومتفتحين على العالم الخارجي بالضوابط الشرعية وفق ما حدده ربنا-عز وجل- ورسوله وورثة رسوله - العلماء- من تعاملات وآداب , هذا إن أردنا للإسلام نصرة وعزا ورفاها لأن أي إصلاح لأخلاق مجتمع ومكابدة لإرجاع سلامه وسعادته كما يقول " السباعي " يخفق إذا لم يدعو إلى تفتح فدعا إلى عزلة أو بعث فرار من الحياة فيتنكر إلى ما وصل إليه العقل الإنساني من تقدم في العلم أوالحضارة.وفي الأخير لابد أن نعلم أن هذا الدين جاء لتحقيق السعادة والهناء للفرد والجماعة، لذا فهو لا يسعى إلى مستحيل بل إلى حقيق ينال بالعمل والأمل، بالعزم لا بالكسل ، يسعى إلى سعادة العاملين فيذيق الندامة الكسالى المترفين .
       هذا الإسلام جاء ليبعث فينا الربانية والروحية والملائكية بل وأعلى من ملائكية الروح علاقتها بربها وقداسة ذلك، فمن ظن أن الله - سبحانه وتعالى - يظلمه بطلب مستحيل، فليعلم أن الله تعالى حرم على نفسه الظلم ، وليعلم أن بشرا مثله حققوا ما يطلب منه الآن، في زمن كانت التقنية فيه منعدمة ، فعلينا بكتب العقيدة الحقة , رجوعا إلى رب العالمين ، ففي هذا سعادتنا بالدارين , وهذا منى الإسلام ..
      قال تعالى: « طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى » [viii].
     ويقول : «فإما يأتينكم مني هدى من اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا  » [ix] ، أي ما جاء هذا الدين إلا لنسعد وهذا مرهون بمدى تجاوبنا معه .إننا لما ابتعدنا واغتربنا عن ديننا صارت الأنوار الربانية من فيض الشرائع الإلهية تبدو لنا إشراقات في زمن ما غريبة، وفي آخر عجيبة، وفي غيرهما مستحيلة، حتى أفكارنا باتت لا تؤمن بالحقيقة كونها كيانا فكريا مدركا حسا ورؤية، ومن ثمة صارت كل فكرة حقة هي فكرة مجردة من عالم العقل، يُحاوَل الإتيان بها وإسقاطها في العالم الواقعي و يحكم عليها الغير بأنها مثالية لما تبدو لهم عليه في الوهلة الأولى ، مستحيلة التحقق، لكن بعد سبرها وتركها لمفعولها في الواقع يتبين أنها واقعية تحتاج فقط إلى بيئة أحسن من تلك التي حكمت عليها بعدم جدواها ومثاليتها، وهي في حقيقتها مجموعة قيم ومبادئ ومثل عليا من وحي العقيدة والشريعة الإسلاميتين، منظمة للحياة أو حل لمشكلات أووسيلة من وسائل ترشيد الفكر والتفكير.

 بقلم : الأستاذ / عبد الحفيظ بولزرق - التلاغمة
                                                                                      نائب رئيس شعبة ولاية ميلة
                                                                                      لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
الهوامش و المراجع :

[i]-  عبد الكريم زيدان . أصول الدعوة. المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية . الجزائر. 1990. ص 71 .
[ii]-  الآية 67 من سورة الفرقان
[iii] - متفق عليه ، الإمام النووي, رياض الصالحين . دار الفكر لبنان ط1 . 2003 .رواه في باب المأمورات برقم 143 .
[iv] - عبد الكريم زيدان المرجع السابق . ص 73
[v] - محمد عقلة . الإسلام:  حقيقته وموجباته. شركة شهاب . الجزائر . 1988 . ص 6 .
[vi] - يأتي التطرق إلى هذه العناصر بالتفصيل ضمن المقالات اللاحقة – بإذن الله تعالى -
[vii] - مصطفى السباعي , الإسلام دعوة واقعية لا خيال . دار البعث. قسنطينة . ص 5
[viii] - الآيتين 1 و 2 من سورة طه
[ix] - الآيتين 123 و 124 من سورة طه

0 التعليقات

إرسال تعليق